بنفسج

[82] يومًا من الإبادة الجماعية: كل أشكال الموت اجتمعت في غزة

الأربعاء 27 ديسمبر

الإبادة الجماعية
الإبادة الجماعية

شهدنا، على مرّ التاريخ، الإبادات الجماعية والتطهير العرقي أو الديني كثيرًا، ولأسباب عنصرية ومكتسبات سياسية ومالية محضة.هنا أذكر التطهير العرقي الذي تعرض له كل السكان الأصليين منذ قرون على هذه الأرض، على سبيل المثال لا الحصر، الهنود الحمر في أمريكا، السكان الأصليين في كندا وأستراليا، ولا ننسى حروب البلقان في القوقاز، حيث أختفى 750 ألف مسلم من أماكن سكنهم الأصلين. وما تعرض له المسلمين من تطهير ديني في الأندلس ومحو كل ما هو مسلم أيضًا. التطهير الذي حصل في سربيرينيتشا للمسلمين البوسنيين؛ إذ قُتل 300 ألف مسلم على مرآى ومسمع ومساندة من منظمة الأمم المتحدة.

رغم أن القانون الدولي الذي يُعرّف ويجرّم الإبادة الجماعية أسس في أربعينيات القرن الماضي، إلا أن الكثير من الإبادات حصلت قبل إصدار القانون وبعده. لم نرَ أي تأثير حقيقي للطوائف والأعراق والجنسيات التي تعرضت للتدمير والتهجير والتنكيل والقتل الممنهج.

كل هذا التاريخ المُشين، الذي لم نعرفه إلا متأخرين، لصعوبة نقل الخبر في حينها وصعوبات دفع التعزيزات والدفاع عن المظلوم والبُعد الجغرافي بين الناس والمعرفي كذلك. لكن كل هذا لا يأتي جزءًا يسيرًا مما يحدث الآن في غزة! هذا التطهير العرقي والديني والإبادة المقصودة الممنهجة بكل أشكالها وطرقها لم يألفها كائن بشري، بالإضافة لمتابعتنا لها حيًّا وعيانًا، أي لم يصلنا الخبر متأخرًا أو مائعًا أو مشوبًا بالأخطاء، بل كانت وما زالت مجازر وإبادة واضحةَ المعالم، فاضحةَ الفاعل، موجهةً كل بنان له وبكل لغة.

المحرقة في غزة: إبادة جماعية ممنهجة 

رغم أن القانون الدولي الذي يُعرّف ويجرّم الإبادة الجماعية أسس في أربعينيات القرن الماضي، إلا أن الكثير من الإبادات حصلت قبل إصدار القانون وبعده. لم نرَ أي تأثير حقيقي للطوائف والأعراق والجنسيات التي تعرضت للتدمير والتهجير والتنكيل والقتل الممنهج.
 
لم يترك الاحتلال سلاحًا فتاكًا أو تقنية حديثة، في عدوانها على غزة، إلا واستخدمته، طائرات الاستكشاف والزنانة وأجهزة المراقبة والهواتف وتتبع المواقع الجغرافية والأقمار الصناعية، والاتفاقيات مع كبرى شركات البرمجة والتجسس والإعلام كلها سهّلت تحديد الأهداف.

لم يترك الاحتلال سلاحًا فتاكًا أو تقنية حديثة، في عدوانها على غزة، إلا واستخدمته، طائرات الاستكشاف والزنانة وأجهزة المراقبة والهواتف وتتبع المواقع الجغرافية والأقمار الصناعية، والاتفاقيات مع كبرى شركات البرمجة والتجسس والإعلام كلها سهّلت تحديد الأهداف. فكان الأطباء والعلماء ومعلمو الجامعات والمهندسون والصحفيون وغيرهم في واجهة الاستهداف، مع كل عوائلهم ومستشفياتهم وجامعاتهم ودرجاتهم العلمية وأماكن عملهم.

كذلك مدارس المنظمات الأممية والدولية والحقوقية وملاجئها لم تكن آمنة، فقصفت آلاف النازحين فيها. وهي التي تعتبر الأماكن الأكثر أمنًا كونها تابعة لمنظمات المجتمع الدولي، وكانت تأوي عشرات الآلآف من الغزيين.البيوت المدنية، الأحياء السكنية الكاملة، المخيمات، محطات الطاقة، محطات المياه، محطات الصحافة وطواقمها، وكل ما يمكن تخيله كان هدفًا واضحًا، دمر عن بكرة أبيه.

التفنن  في الإجرام وتنفيذ الإبادة

لم يتوانَ الاحتلال من بقر بطون الحوامل وضربهن وقصفهن، ماتت الكثيرات مع أجنتهن قبل ولدتهنّ.
 
وهناك من مات جنينها مع محاولة حثيثة للأطباء في إنقاذ أحدهما على الأقل على أرضيات المستشفيات الخالية من التخدير والتعقيم -بسبب الحصار- ولكن لم ينجُ أحد.
 
الخدج أو الأطفال الذين عذبهم الاحتلال بأبشع الطرق وأفظعها، بعد أن أجبر الكادر الطبي وأهالي الأطفال على الخروج من المشفى.

بعد تدمير وتجريف كامل للبنية التحتية والصحية والأحياء السكنية، أردف الاحتلال الحصار الكامل على القطاع. فبعد تدمير الموجود، حرمهم من الإمداد بالماء أو الغذاء أو الدواء بأبسط أشكالهم، حتى بات الموت جوعًا ووجعًا إحدى وسائل القتل.

المدارس والمستشفيات والكنائس التي حوصرت أيضًا كانت القناصة تحيط بها، فاستهدفت الكوادر الطبية والمرضى وذويهم. وحتى من نجى بعد ذلك هُجر إلى الجنوب باعتبارها منطقة آمنة دعى إليها الاحتلال وهنا كانت الكذبة الكبرى. إذ قُصف النازحون المهجّرون من مستشفى الشفاء وشمال القطاع عمومًا بوابل من القنابل التي تركت الأجساد أشلاء. مستشفى كامل عدوان التي دُفن فيها المرضى والجرحى أحياء في ساحتها باستخدام جرافات الاحتلال وطائراته.

لم يتوانَ الاحتلال من بقر بطون الحوامل وضربهن وقصفهن، ماتت الكثيرات مع أجنتهن قبل ولدتهنّ. وهناك من مات جنينها مع محاولة حثيثة للأطباء في إنقاذ أحدهما على الأقل على أرضيات المستشفيات الخالية من التخدير والتعقيم -بسبب الحصار- ولكن لم ينجُ أحد.

الخدج أو الأطفال الذين عذبهم الاحتلال بأبشع الطرق وأفظعها، بعد أن أجبر الكادر الطبي وأهالي الأطفال على الخروج من المشفى، وتركهم على الأجهزة مع التعهد بمتابعة منظمة الصليب الأحمر لوضعهم ونقلهم لمكان آمن. ولكنهم تُركوا حتى تحللت جثثهم وحدها في صقيع البرد وأصوات القنابل ووجع الوحدة.

هذا إضافة إلى الاعتقالات المهينة للمدنيين النازحين من المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء وتعريتهم بالكامل وإرسالهم للسجون، مع أشد طرق التنكل والضرب والتعذيب والتجويع، الذي تعرض عدد منهم لبتر ساقه كعقاب لعدم تجاوبهم مع محققي الاحتلال.

وكذلك الأبشع قد سطرته الإعدامات الميدانية بدم بارد لكل ما هو فلسطيني على أرض فلسطينية. دخل جنود الاحتلال بيوت وعمارات المدنيين، جمعوا الرجال وكل طفل أكبر من 12 عامًا وعروهم وأعدموهم رغم حمل الكثيرين منهم لرايات بيضاء. وجمعوا النساء في غرف أخرى منفصلة ومن ثم أصدروا الأوامر للدبابات بقصفهنّ أيضًا.هذه شهادة سيدات ممن نجينّ من القصف والقتل، لكن كل رجال عوائلهن وبعض من بناتهنّ قد تعرضوا للإعدام المباشر.

ما آلت له هذه الإبادة

هذه الحرب التي لم تقف عند أي حقوق أو قوانين إنسانية أو دولية أوحقوقية.
 
 اضطرت النازحين إلى دفن شهدائهم في رصف الطرقات وعلى جنبات الطرق،ومنهم من دفن ذويه في حديقة بيته.
 
 ومنهم من اضطر لخلع بلاط المستشفيات التي ينزحون إليها ويدفنون جثث الشهداء تحتها أو في ساحاتها!وصل الإجرام بهذا الاحتلال النازي أن يُجّرف المقابر القديمة والحديثة ويهتك حرمات الموتى كما هتك حرمات الأحياء.
 
فتح القبور الجماعية التي اضطر الكادر الطبي في مستشفى الشفاء على دفنهم في باحة المستشفى، وسرقوا مئات الجثث من الشهداء

هذه الحرب التي لم تقف عند أي حقوق أو قوانين إنسانية أو دولية أوحقوقية، اضطرت النازحين إلى دفن شهدائهم في رصف الطرقات وعلى جنبات الطرق، ومنهم من دفن ذويه في حديقة بيته، ومنهم من اضطر لخلع بلاط المستشفيات التي ينزحون إليها ويدفنون جثث الشهداء تحتها أو في ساحاتها!وصل الإجرام بهذا الاحتلال النازي أن يُجّرف المقابر القديمة والحديثة ويهتك حرمات الموتى كما هتك حرمات الأحياء.

فتح القبور الجماعية التي اضطر الكادر الطبي في مستشفى الشفاء على دفنهم في باحة المستشفى، وسرقوا مئات الجثث من الشهداء. ويعترف الاحتلال بوجود أكبر بنك للجلود في العالم لديها، ويعترف أيضًا أنها من جثث الفلسطينيين سواء من الأسرى أو الاستشهاديين، والآن من مقابر الشهداء الجماعية شمال القطاع وجنوبها. إضافة إلى سرقات قرنية العين والقوقعة والأعضاء الحيوية كالكبد والكلى والقلب. وكل هذا بشهادة المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وأطباء المستشفيات التي سُرقت منها الجثث مستشفى الشفاء والأندونيسي.

هذا الاحتلال حارب الفلسطيني من المهد إلى اللحد، لم يترك الجنين في بطن أمه ولا الميت في باطن أرضه. هذا السفك المبالغ في إجرامه لم يأتي على هذه الدويلة المهزومة بنصر، لكنها والله بداية الاندحار وعودة كل فرد منهم لدولته الأصلية. فأصحاب الأرض رغم كل ما فات صامدون ثابتون بإذن الله.